معضلة الفصائل الوطنية وأفول نجم التنظيم!

معضلة الفصائل الوطنية وأفول نجم التنظيم!

  • معضلة الفصائل الوطنية وأفول نجم التنظيم!

اخرى قبل 2 سنة

معضلة الفصائل الوطنية وأفول نجم التنظيم!

بكر أبوبكر

تعاني التنظيمات السياسية اليوم في فلسطين أساسًا من معضلات ثلاث تتلخص بالفهم، ثم الرؤية والاستراتيجية فالوعاء (التنظيم الحامل )

وعليه يمكننا القول أن المعضلة الأولى هي في كيفية فهم طبيعة المرحلة الحالية هل هي مرحلة تحرر وطني أم هي مرحلة حكم ذاتي محدود باتجاه الدولة، أم مرحلة تكريس الدولة أم امكانية الجمع بينهما. أم ماذا؟

وفي جميع الاحوال تتوقف الرؤى عند المتخاصمين السياسيين في الساحة الفلسطينية عند حدود المشروعين المتصارعين الذيْن يعتبرهم المتطرفون والاقصائيون غير قابليْن للالتقاء بينما يرى المعتدلون أو الوحدويون امكانية الوصول بهما لمنطقة وسطى أي فهم طبيعة المرحلة أنها مرحلة تحرر وطني (ربما معدّلة)، وبالتالي ما ينشأ عن ذلك مقابل الفهم القائم على أنها مرحلة البناء والاستقرار نقيض مرحلة التحرر.

في الحالتين نشهد جدلًا فكريًا عميقًا، وأحيانًا عقيمًا حين يتم التعبير عنه بكلمات قاسية أوشتائمية في كثير من الأحيان وعبر المواقف المتصادمة والمتضاربة بدلًا من النقاش والحوار والاستيعاب.

نتساءل هل هناك من فهم مشترك، ثم رؤية جامعة ثم وعاء جديد يتجاوز القائم داخل المنظمات عامة؟

أي هل يوجد تيار عريض داخل كافة التنظيمات السياسية الفلسطينية –عابر للتنظيمات السياسية-يرى إمكانية الاتفاق على وسطية الفهم والرؤية والوسيلة الناجعة والقادرة على الاقتراب من بعضها البعض في سياق نسيج وحدوي لا يخشى كسر القوالب الجامدة، ويتخلى عن الأفكار المسبقة أو الاعتبارات العقدية أوالأيديولوجية؟ أو يتخلى عن الأنوية (الأنوية من طغيان الأنا سواء الذاتية أو الوالدية أوالحزبية) الاستبدادية التي محصلتها أفول نجم القضية الفلسطينية بيد أصحابها.

نحاول في هذه الورقة أن نفكر معًا ونفتح الباب العريض لعلنا نصل دون ارتهان لافتراضات مسبقة.

الفهم والرؤية

حين توجد الثورة أو حرب التحرير الشعبية ، أو حالة التحرر الوطني توجد حالة عدم الاستقرار وهدم للقديم المستقر، إنها حالة تهديد مطلوبة للوضع الفاسد القائم (الاستعمار أوالاحتلال، أوالظلم...)، ويوجد الغضب والكفاح والتعبئة والشحن بأشكاله السلمية أو العنفية الثورية، وحيث فُهمت المرحلة أنها بناء واستقرار، فالبناء نقيض الهدم للأسس القديمة التي تأتي الثورة لتقويضها، وبناء النموذج البديل.

من هنا وضمن فهم الهدم والبناء أوالمقاومة مقابل السلطة؟ يصبح التعامل مع العدو الرئيس (الاسرائيلي المحتل) والنقيض الثانوي (صاحب وجهة النظر الأخرى) وكأنهم سواسية وفق الفهم الحِدّي المتطرف بمعنى تصبح السلطة أوالحكم الذاتي أو مكونات الدولة (البناء) مستهدفة أحيانًا قبل وأحيانًا بعد التناقض الرئيس، وهو ما يسميه متطرفو الفصائل الفلسطينية وعلى رأسهم التيار المتطرف في فصيل "حماس" المؤمن بما يطلقون عليه مدرسة أومعسكر الفسطاطين! بمعنى أن المناضلين يقفون مقابل الانهزاميين أوالمستسلمين، وعليه يأتي وصم المشاريع وأصحاب المشاريع، وأوعيتهم التنظيمية عامة بما يؤخّر أو يمنع الحوار الديمقراطي والتفكير الوسطي، أوالتلاقي.

فهم المرحلية مقابل الجذرية

إن فكرة الفهم للمرحلة إن لم تكن متوحّدة ومنضبطة ضمن آليات ونظُم ومشاريع يصبح الانسان العادي بعد العضو التنظيمي في حالة تيهٍ فلسفي سياسي بين النظرية والتطبيق وبين الشعارات المرفوعة والتطبيق العملي. حيث نجد عمليًا سلطتين في كل من الضفة مقابل قطاع غزة وكلتيهما تقومان بنفس الدور الملتبس في عدم تطبيق لأي من الفهمين وفي محاولة ثبت فشلها بالتجربة للدمج بينهما.

فكرة المرحلية لم تكن فكرة جديدة في النضال الفلسطيني اليوم وإنما جاءت اجتراحًا فذّا للتعاطي مع الجذري مقابل ما أصبح المرحلي.

المرحلية منذ العام 1973 جاءت على إثر توقف جبهات القتال عن إطلاق حممها وفق ما صرّح به الرئيس المصري الراحل أنور السادات بأن حرب رمضان آخر الحروب، وبالتالي تخرج مصر ومعها الأمة العربية من المعركة الحربية للتحرير، ما يعني سقوط كل تنظيرات "هانوي العرب" أو الدعم العسكري العربي للمقاومة الفلسطينية وما أدى حكما لتبني شعار انتقالي يقول "المقاومة العسكرية تزرع والعمل السياسي يحصد" وصولًا لاعتماد منهج المقاومة الشعبية التي اجترحتها حركة الجماهير الفلسطينية في الوطن منذ العام 1987م عبر انتفاضته الكبرى الأولى حديثًا تحت دعم أمير الشهداء خليل الوزير.

إذن جاءت فكرة المرحلية ليس للقضاء على فكرة الجذرية وإنما نتيجة فهم صادق للمرحلة وكيفية التعاطي معها وفق الموازين تلك القابلة للتغيير ]الانسان أحد أدوات هذا التغيير[ وضمن فهم معادلة المعسكرات والصديق والعدو والتناقض الرئيس والتناقض الثانوي، وهو ما كان واضحًا في تنظيرات مفكّر الثورة الفلسطينية خالد الحسن لفكرة إقامة سلطة فلسطينية على أي شبر يتم تحريره أو استرداده ليس باعتباره الغاية أو الهدف النهائي وإنما باعتبارها المدخل لفلسطين كل فلسطين وهو ما سار عليه الراحل ياسر عرفات الذي كان مسكونًا بفلسطين كما قال عنه الإسرائيليون ذاتهم.

المرحلية التي فُهمت من تيارات اليسار حينها (كتلة الرفض)، ثم من اليمين الديني أوالاسلامويين لاحقًا بعد الصحوة من حالة السُبات أوالمَوات (ما يقرب 30 عامًا) والتأخر بالفعل أي الى العام 1988 فُهِمت المرحلية أنها استسلام كلي بمعنى التخلي عن الوطن لصالح شبه الدولة أوالدويلة، وهو ما أنكره بتاتًا ياسر عرفات الذي اعتبر "اتفاقية أوسلو" منعرجًا إجباريا أوكما كان أسماهُ المفكر صخر حبش (ممرًا إجباريًا) وصولًا لتحقيق الاستقلال الفلسطيني في حدود 1967 وهذه هي الأهداف المرحلية التي عبّر عنها خالد الحسن بالقاصرة إن لم يكن جذرية التناول النهائي هي الخطوة الصحيحة.

المرحلية ظلّت فكرة مُدانة وصِنو الاستسلام-وقبلها وأثنائها كان الحل السياسي برمته يعتبر استسلامًا- الى أن بدأت كافة التنظيمات الفلسطينية تتبناها ما حصل منذ وثيقة الأسرى عام 2006 ثم بصراحة ووضوح في وثيقة "حماس"عام 2017 في الدوحة، ثم في اجتماع أمناء الفصائل مع الرئيس أبومازن في 3/9/2020 بين رام الله وبيروت.

الرؤية والاستراتيجية

المعضلة الثانية لدى فصائل السياسة هي معضلة الرؤية والهدف ومعضلة السِراطية (الاستراتيجية) ومعضلة بناء البرنامج الوطني الشامل والمتفق عليه بما يمثل الاجماع الوطني المنشود.

إن كانت طبيعة المرحلة وفهمهما واضحًا لدى كافة الأطراف فإنه بالضرورة ينشأ عنها بناء استراتيجية عمل (طريق للعبور أو جسر للوصول) ورؤية تتوافق مع طبيعة الفهم، أكان مرحلة تحرر وطني أم مرحلة بناء على فرضية أن الفهم منطلق من هذين المنظورين الأوحدين كما أسلفنا.

ولا يفيد هنا فكرة عرض الخيارات وكأنها بدائل! وهي بالحقيقة نقض للفهم الأولي.

بمعنى لا يُفهم عقليًا التخلي عن رؤية تحقيق الاستقلال لدولة فلسطين القائمة بالحق الطبيعي والتاريخي (حسب اعلان الاستقلال 1988م) والقانوني (دخلت الأمم المتحدة عضوًا مراقبًا عام 2012م) بالقول كما هو حاصل اليوم-بعد انسداد الأفق السياسي- أن الخيارات أمامنا كثيرة؟ منها: إما بالعودة لتقسيم العام 1947 أو خيار الدولة المواطنية الواحدة في فلسطين كلّها، وكأننا نملك أن نختار تمامًا أي خيار! كما لو كنا في مجمع تجاري حافل بأصناف من البضائع تنتتظر فقط أن نلتقطها؟ أوكأن القرار منوط بنا نحن فقط؟

لايستقيم التعامل مع الرؤى الشمولية ضمن فهم المرحلة. فرؤية الاستقلال مختلفة الاستراتيجية عن رؤية الدعوة للعودة لمرحلة العام 1947 وقرار التقسيم، أي بتبني شعار أو سراطية (استراتيجية) جديدة أو رؤية، قبل تحقيق الاستقلال لدولة فلسطين المحتلة بعد كل سنوات النضال هذه والاعترافات العالمية بالدولة التي فاقت الاعترافات بها، تلك بدولة الكيان الصهيوني؟

إذ كيف يستقيم عقليًا التخلي عن كل هذه التضحيات والنضالات ضمن رؤية انسداد الأفق السياسي دون العودة للمربع الأول أي طريقة فهم المرحلة. ودون الوعي بأن الأقل يشكلُ مدخلًا للأكثر أو الأصعب أوشبه المستحيل -في ظل تخلخل القوى- الى امكانية التحقق أي أن يكون تحقّق الاستقلال لدولة فلسطين (ما يسمى بحل الدولتين) مدخلًا لتحقيق متطلبات الفكر الجذري.

فلا بدائل هنا أو خيارات متاحة استراتيجيًا، وإنما صحيح الفهم يأتي ضمن حالة تتالي نضالي قد تقع أو لا تقع استنادًا على طبيعة السراطية (الاستراتيجية) المتبعة.

حالة التتالي في الرؤى والهدف يجب أن يكون مرحلة نحو دولة المواطنية لكل الوطن، نعم ولكن لا يمكن الاستغناء عن هذا الهدف المرحلي بدلالة شعورنا الحالي بالفشل، ونحن جيّشنا كل الدنيا باتجاهه وحتى كافة الفصائل التي كانت رافضة لهذا الحل!

وكأننا –حال التخلي عن هدف الاستقلال لدولة فلسطين بحدود حزيران-نسقط 50 عامًا من الدماء والجهود والنضال والإنجازات، ونبدأ من جديد! فليس هكذا تورد الإبل.

الأجدى عقليا وبالفهم السياسي والتحليل أن ننتهي أولًا من المرحلة الأسهل ولو نظريًا (استقلال دولة فلسطين بحدود 1967م)، والمتفق عليها عالميًا، لنبدأ المرحلة التالية الأصعب أي مرحلة السعي نحو الدولة الديمقراطية المدنية أوالدولة المواطنية الواحدة في فلسطين.

(سلسلة حلقات سنصدرها في كتيب من مركز الناطور للدراسات ومركز الانطلاقة للدراسات، وهذه الحلقة الاولى منها)

الحواشي

1- الجماعة اثنان أو أكثر بينهم تفاعل اجتماعي، أما المنظمة (الفصيل، التنظيم...الرسمي وغير الرسمي، والربحي وغير الربحي) فهو بتعريفنا: مجموعة من الأفراد المؤمنة والملتزمة التي تلتئم حول فكرة أو هدف أو حاجات جامعة، وتقوم بعمل مشترك لتحقيقه، ويضمها هيكل (إطار تنظيمي) يوزع المسؤوليات والعلاقات والجهود والآليات، ضمن النظام (الدستور) الناظم. وغالبًا يفهم التنظيم أو المنظمة الرحبة بيئة مفتوحة وليست مغلقة كما الحال في التنظيمات الأيديولوجية الصارمة، أوالسرية المتطرفة.

2- المنظمة أو التنظيم السياسي يحمل الفكرة أساسًا على أكتاف الأعضاء وتُرى حيّة عبر العمل الجاد المثابر.

3- في إطار الثورات العالمية وفي فلسطين كانت حرب الشعب طويلة الأمد أو طويلة النفس.

4- دعنا نعرف "الفهم" هنا أنه: واحدة من أهم القدرات التي يملكها البشر لأنه من خلالها يمكن التعرف على واستيعاب تلك الأشياء التي تحيط بنا، والمواقف السياسية وغيرها التي تنشأ في الحياة . ويستند الفهم على طبيعة المرجعيات العقلية والفكرية، والظروف المحيطة والتعليم وعوامل بيئية ترتبط بالشخص أو التنظيم (الجماعة).

5- خاض الشعب العربي، والشعب العربي الفلسطيني كافة أشكال المقاومة منذ اواخر القرن ال19 وفي القرن العشرين ضد الغزو الاستعماري والصهيوني ثم الغزو البريطاني المتواطيء بالتطبيق الفعلي لإقامة الكيان الصهيوني عبر الاعلام والكلمة والعمل السياسي، وعبرالعمل العسكري والنداءات والهبات والانتفاضات والثورات.

6- طرحت مختلف الفصائل البرنامج الوطني الشامل، وكذلك التجمعات السياسية بل وعدد من مراكز الدراسات المحترمة، وخاضت حركة "فتح" مع "حماس" حوارات طويلة-منذ ما قبل الانقلاب عام 2007م- أنتجت عديد الوثائق التي أقرتها لاحقًا مختلف الفصائل. ولكن لم يكن لها أثر بالتطبيق على الأرض. لذا فالفهم هو الأصل بمعنى التعامل برحابة مع المرجعيات الفكرية المختلفة لاستيعاب الآخر وصولًا لتحديد الرؤية، وعزلًا لقيم السلطوية والذاتية والحزبية القاتلة، إضافة لتدخلات الاقليم.

 


 

 

التعليقات على خبر: معضلة الفصائل الوطنية وأفول نجم التنظيم!

حمل التطبيق الأن